FINANCIAL TIMES

الأسواق .. التشاؤم الطائش مؤذ بقدر التفاؤل الطائش

الأسواق .. التشاؤم الطائش مؤذ بقدر التفاؤل الطائش

الخدمات المالية صناعة تحركها المبيعات. وهناك تقليد قديم ومشهور يتمثل في الاستراتيجيين المختصين في الأسهم، المتحمسين الذين يَنْتِفون من الهواء أرقاما كبيرة تشتمل على عدة أصفار ويقولون إنها ستكون موجودة في السوق المقبلة التي ستكون الأعلى على الإطلاق، لإغراء عملائهم للشراء.
سيبني الاقتصاديون في المصارف الاستثمارية نماذج نمو دقيقة بشكل مضلل للسنة المقبلة، وصولا إلى أقرب نقطة أساس من الناتج. ويظهر الخبراء على التلفزيون المالي ليرددوا العبارات المبتذلة السائدة في يوم معين بخصوص الاقتصاد الكلي، ويدرجوا آراءهم حول السبب في أن أسعار الفائدة سترتفع أو تهبط، أو ما تعنيه المخاطر السياسية في الوقت الراهن بالنسبة للأسهم. البحث هو مركز التكلفة. والرسوم هي ما يولد الأرباح.
بعد الأزمة المالية، ما كان في كثير من الأحيان يتم تسويقه تحت دعوى النظرة الثاقبة للاقتصاد الكلي تعرّض للانتقاد بشكل مفهوم. كانت سمعة المحللين الباحثين في أسهم المصارف قد تضررت أصلا بسبب فقاعة الدوت كوم، حين تحمس بعضهم للشركات التي كانت مصارفهم تبيعها في عروض البورصة، لكنهم في محافلهم الخاصة كانوا يقولون إن هذه الأسهم "كومة من القمامة". بعد انهيار القروض العقارية الأمريكية لضعاف الملاءة، لم تكن الأهداف الرئيسية لغضب الجمهور هي محللي الأسهم، بقدر ما كانت الاقتصاديين الذين اتُّهِموا بأنهم أصيبوا بالعمى بفعل الركود الحاد والإنقاذ المالي الذي أعقب ذلك.
التحليل المدروس للأسواق والاقتصاد أمر صعب للغاية، وينبغي الإشادة بجهود الذين يمارسون عملهم بقدر من الدقة والصدق. على مدى عقد من الزمن، وبعد مئات الآلاف من الكلمات في "المكب الكلي للنفايات" الذي يكتب كل أسبوع، لا يزال التحليل مستمرا. لكن حدث تحول ملحوظ في النبرة. في الماضي لم تكن هناك حوافز تُذكر لمديري الصناديق أو المصرفيين للتقليل من قيمة الأسواق التي تَدفع لهم الرسوم. الآن يوجد المزيد من الأصوات التي تنخرط في التنبؤ بالسوق، والتي تعبر عن وجهات نظر تشاؤمية بشكل ملحوظ، وتتحدث عن وجود فقاعات وتتنبأ بالكوارث.
القليلون الذين خرجوا من الأزمة الأخيرة بسمعة معززة هم الذين رأوا مشاكل في الطريق، وحذروا زبائنهم والعالم من أنه لم تكن جميع الأوضاع سليمة في الأسواق المالية. كان هناك دائما محللون يتنبؤون بهبوط سعر السهم، من الذين اتخذوا من كتابة التعليقات الأسبوعية والشكاوى لفترات طويلة مهنة لهم - مارك فابر، المتحمس لمعيار الذهب والذي تعرض للخزي أخيرا بسبب تعليقاته حول العرق في أمريكا، هو مثال رئيسي على ذلك. لكن ما بعد عام 2008 أصبحت الحوافز التي تدفع للأشخاص للتعبير عن آرائهم في الأسواق تميل بشكل واضح إلى التشاؤم.
التشاؤم الطائش يمكن أن يكون مؤذيا بقدر التشجيع الطائش للسوق.
المتشائمون المُذَبذَبون الذين يغيرون آراءهم منتشرون اليوم. هناك مستثمرون معروفون ودور تمويل تعرب في كثير من الأحيان عن مخاوف من فقاعات في مختلف الأسواق في المذكرات البحثية، أو عندما يكونون على شاشة التلفزيون، لكنهم يقتنون كميات كبيرة من فئة الأصول التي يدَّعون كراهيتها. عدد قليل جدا منهم في الواقع يتعاملون مع السوق على المكشوف، أو ينقصهم المال.
المردود من هذه الاستراتيجية التسويقية، كما يقولون في قاعات التداول، غير متماثل. على عكس مشجع السوق الذي يكون عرضة للشجب عندما يحدث أي انهيار، إذا كانت نهاية العالم التي يتنبؤون بها لا تتحقق أبدا، لن يتذكر ذلك أحد. وإذا تحققت، فإنهم يصبحون أبطال وسائل الإعلام بين عشية وضحاها، ومليارات الدولارات من أموال العملاء ستتدفق في طريقهم.
في الوقت نفسه، يمكن للمستثمرين الصغار الذين يستمعون إلى هذه التعليقات أن يقتنعوا بشكل مفهوم، بتصفية حساباتهم التقاعدية، وشراء الذهب أو الانخراط، في أنواع التداولات قصيرة الأجل التي تدمر مصالحهم.
محاولة فهم الاقتصاد والسياسة العالمية ليست في حد ذاتها أمرا سيئا. المشكلة مع هذا النوع من النتائج ليست أنه غير دقيق، أو أنه في كثير من الأحيان خطأ. المشكلة هي أن التنبؤ بالمستقبل بأي نوع من الموثوقية أمر مستحيل، لكن هذا لا يعني أننا لا نستطيع أن نتعلم وأن نتحسن من محاولة القيام بذلك. وينبغي ألا يتم لعن الاقتصاديين والاستراتيجيين لمجرد محاولتهم أداء وظائفهم. المشكلة هي عندما يشجع هذا التحليل على النشاط قصير الأجل. الحاشية الشائعة حول إخلاء المسؤولية في البحوث المصرفية هي "نحن نحتفظ بالحق في تعديل الآراء الواردة هنا في أي وقت دون إشعار". وفي كثير من الأحيان يعدلونها فعلا.
في السابق تم توجيه انتقادات، في محلها، للمحللين المتفائلين بقوة لكونهم متحفزين لدفع نشاط التداول المربح. التشكك الذي يقف في وجه هذا الاتجاه أمر صحي. لكن لا ينبغي أن يُعطى بعض المتشائمين بقوة اليوم تذكرة مرور مجانية لأنهم من الناحية العملية يلعبون لعبة التسويق نفسها، لكن في الاتجاه المعاكس. التشاؤم الطائش يمكن أن يكون مؤذيا بقدر التشجيع الطائش للسوق. كثير من الأصول المالية اليوم تبدو مكلفة، والذين يعبرون عن الحذر بطريقة فكرية صادقة ينبغي أن يُشكَروا. لكن التقلب دخولا وخروجا من الاستثمارات شهرا بعد شهر استنادا إلى حدس جديد في الاقتصاد الكلي، أو السياسة لا يتناسب مع مصالح صناديق التقاعد والمدخرين الأفراد الذين يمتد أفقهم الزمني لعقود وليس لأسابيع.
التفكير على أساس أهداف قصيرة الأمد، ومحاولة معرفة توقيت السوق، هما من أعداء الاستثمار الناجح. المستثمرون المحترفون يجدر بهم أن يركزوا على تنفيذ أفضل الأعمال التي يقدرون عليها لصالح عملائهم، لا أن يحاولوا التنبؤ بالتوجه الشهري الذي ستكون عليه الأسواق في بحر الاقتصاد الكلي.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES